فقر الحوار فى قنواتنا .. إلى أين قادنا !؟
ظاهرة مناقشـة القضايا السعودية ، ومواقف المملكة من مختلف القضايا العربية والعالمية التى إنتشرت فى بعض الفضائيات العربية وغير العربية، فى الآونة الأخيرة بشكل مكثف ، يجب أن تستوقفنا قليلاً ، لنتفكر حول أسبابها ، والدوافع التى تكمن خلفها ، وماهى دلالاتها ، وماذا علينا أن نفعل إزاء هذه الظاهرة ، وماهو المطلوب منا بالضبط حيال دلالاتها . لأنه ليس من المألوف دائماً أن تطرق أو تطرح القضايا الداخلية لدولةٍ ما من الدول العربية على القنوات العربية الأخرى بهذا النحو المكثف ، ولا أن يطرح دورها العربي والعالمي بهذه الكثافة . خاصةً إذا ما ترافق هذا مع ظاهرة أخرى .
فى بؤرة الضـوء :
************
وهناك ظاهرة أخرى يلاحظ إنتشارها بشكل واضح وملحوظ وهى إشتراك السعوديون عبر الهواتف والفاكسات والرسائل الإلكترونية فيما تطرحه القنوات العربية من قضايا ، ليس فقط تلك التى تناقش الشأن السعودي وحده ، بل وحتى فى برامج الترفيه والتسلية والمقابلات .. الخ .
هاتين الظاهرتين تحتاجان إلى وقفة لتأمل دلالاتهما .
بالنسبة للظاهرة الأولى ، فإن جزء كبير من هذا التركيز على المملكة في هذا الوقت تحديداً ربما يرجع إلى أن المملكة العربية السعودية أصبحت فى واجهة الحدث في أعقد القضايا السياسية والإنسانية منذ منتصف القرن الماضي وإلى الآن .
لذا فإن موقعها فى صدارة الحدث جعلها فى بؤرة الضوء الإعلامي ، وفى دائرة الإهتمام الكبرى . ويتوقع المرء فى مثل هذه الحالات أن يتجاوز الإهتمام الإعلامي دائرة " الحدث الكبرى" قليلاً ليبحث عن خلفيات الحدث ، أو أن يحاول البحث عن جذور الموقف السياسي من صانع الحدث .
ومن هنا يأتى الحديث عن الإسلام ، وعن المملكة ككيان ، وتاريخ ، ومواقف ، وأيديولوجيات الشريعة الإسلامية ، والمجتمع السعودي كبنية تاريخية ، وما إلى ذلك .
اللجـوء التلفزيونـى : *************** ولكن فلندع كل من يريد أن يمارس الدور الذى إختاره لنفسه أو أختير له أن يمارسه حراً مختاراً ، أو مضطراً مكرهاً ، فهذا ليس من شأننا ، وربما لا يعنينا . ولكن ما يعنينا حقاً هو السؤال : لماذا نلجأ أو يلجأ شبابنا ـ وشيوخنا أحياناً ـ إلى القنوات الأخرى للتعبير عن رأيهم ؟ . لقد أصبح التلفزيون من أخطر وسائل تكييف الرأي العام ، فهو الآن لم يعد ذلك الجهاز البريء الذى يكتفي بتقديم المعلومة ، ولكنه أصبح يشكل قناعات الناس بمعزل عن إرادتهم حتى فى صياغـة الأخبار ، وطريقة الأداء والعرض الإخباري لتحقيق أكبر قدر من التأثير المطلوب على المتلقي . ويكفي لمعرفة مدى أهمية التلفزيون أن نعلم أن ثلاث شبكات تحتكر بشكل تام صناعة الإعلام والأفكار ، ليس فى الولايات المتحدة الأمريكية وحدها ، وإنما فى معظم أنحاء العالم ، وأن الذين يتولون إدارة هذه الشبكات هم نحو ستة أو سبعة أشخاص . وأن بالولايات المتحدة الأمريكية أكثر من (1200) محطة بث تلفزيوني . وأن اليهود يسيطرون على 80% من البرامج التلفزيونية الأمريكية ، التى تشكل أضخم آلة إعلامية جماهيرية فى العالم . وأن هذه الآلة العملاقة تعمل على تحقيق مصالح أفراد ومؤسسات خاصة ، مما أدى إلى سيطرة القوى ذات المصالح والأهداف المختلفة على مراكز الإعلام المؤثرة على الرأي العام لخدمة مصالحها الخاصة كالإعلانات التجارية ، والدعايات الحزبية ، والطائفية ، والعقائدية ، والسياسية . وأن وسائل الإعلام هذه ، لم تعد تعكس الرأي العام ، وإنما تصنعه وتقوده وتوجهه وتوظفه لخدمة مصالح معنية ، وجهات أو مباديء محددة .
المنظـومات الثلاث : **************** لذا فإن توجه الشباب إلى القنوات الأخرى يدعو إلى التوجس ، إذ نعرف أن هناك هجمة تستهدف المملكة على خطها السياسي المحلي والعالمي ، وتخلف دوافع من يقفون خلف هذه الهجمات ، إلا أننا لسنا من السذاجة لنجهل أن الإعلام ، والإعلام المرئي والمسموع على الأخص ، هو واحد من أشد الأسلحة تأثيراً فى العالم المعاصر . وأعتقد جازماً أن سياستنا الإعلامية تحتاج إلى وقفة ذات طابع إستراتيجي لتعيد النظر فى رؤيتنا الإستراتيجية . وحينها سنتوصل إلى أن إغلاق الباب على المندسين والأعداء الذين يقفون خلفهم سيكون فى أن نفتح قنواتنا الفضائية حتى تكون هى ساحة الحوار الداخلي ، وساحة الحوار السعودي ـ العربي ، وساحة الحوار العربي ـ العالمي . هذه المنظومات الثلاث مترابطة ، ولو أمعنا النظر جلياً فى موقع المملكة الإقليمي والعالمي ، سنجد أن القدر قد كتب لها أن تلعب دوراً كبيراً يتناسب ومكانتها الدينية / الحضارية / الإقصادية / الثقافية ، وهى مؤهلة لتلعب هذا الدور بجـدارة . وأن المملكة إذا ظلت تغلق قنواتها فى وجه الحوار الداخلي والخارجي بهذا الشكل ، فإنها ستدفع أبناءها إلى اللجوء للساحات الأخرى يعبرون من خلالها عن أنفسهم ، ونحن نجهل نوايا وأهداف من يفتح لهم داره يتناقشون فيها أمورهم بحرية ، ونجهل لماذا يفعل ذلك . ونكون بذلك مثل رجل بسط الله له رزقاً وفيراً ، ولكنه لم يشتر تلفزيوناً لأبنائه يشاهدونه ، فيلجأون إلى تلفزيون جيرانهم ، وهو لايدري كيف سيعاملون فى بيت الجيران .
حوار غير متكافيء : ************** وثمة ما يلفت النظر فى هذه القضية إذ نجد برنامجاً يناقش مثلاً مواقف المملكـة ، وسياساتها لتضيف طرفاً سعودياً وآخر غير سعودي وقد شهدت أكثر من برنامج يكيل فيها الطرف الآخر الإتهام والتشكيك فى سياساتها ومواقفها. وما يثير الخنق فى تلك الحلقة شيئان ، أولهما : يجب أن لا تشترك المملكة فى مثل هذه الحلقات بأي شخص له صفة رسمية ، بل يجب أن يشترك مفكر أو صحفي أو أستاذ جامعي أو مثقف ، على أن لايحمل صفة رسمية ليتحدث بإسمه هو ، لأن الطرف الثاني لم يكن يمثل سوى نفسه ، وأن لا تتصدى المملكة كدولة لفرد يمثل نفسه فذلك أمر لا يليق بالمملكة ولا بتاريخها ولا بمكانتها.
ولو كنت مكان المسؤول الرسمي ـ الذى لا أشك فى عمق وإتساع ثقافته ولا فى وطنيته ـ لرفضت المسألة برمتها ، نسبةً لعدم وجود التكافؤ بينه وبين مساجله . أما الأمر الثاني ـ وهو الأول فى الواقع ـ فهو مسـألة مبدئية، فلماذا تناقش المملكة – مثلاً- دورها الفلسطيني ؟ . لو أن الطرف الآخر كان فلسطينياً يتحدث بإسم السلطة الفلسطينية لوجب أن نناقشه ، وهل يحتاج موقف المملكة ودعمها للقضية الفلسـطينية إلى مناقشـة اليوم ؟ .. إننا نستطيع ومن خلال مثل هذه الأفخاخ التي ينصبها لنا الآخرين أن نكتشف مدى خطورة ما يحاك عن طريق برامج القنوات الفضائية . والحل ، كما سبق وقلت ، فى أن نفتح قنواتنا لتصبح قنوات الحوار الأولى ، أو أن ننشيء قناة أخرى ذات طابع غير رسمى تكون ساحة للحوار المحلي والعربي والدولي علماً بأننا نملك مقومات النجاح وعناصره الثلاث : الكوادر البشرية ، الإمكانات المادية ، الخبرات التقنية ، ولاينقصنا سوى أن نفتح منابر الحوار الشفافة ، التي تحكمها أخلاقياتنا ومثلنا وتحددها أهدافنا وغاياتنا وثوابتنا والتي تتمثل فى الأخلاق الإسلامية السمحة والصادقة التى ينحصر هدفها فى الإرشاد والبناء والتعمير وليس فى الهدم والتخريب. وإذا كان من كلمة أختم بها ، فهي ، أنني إذ أرفع هذا للمصلحة العامة ، فإنني أتوجه به ، بشكل خاص إلى صاحب السمو الملكي الأمير / محمد بن نايف بن عبد العزيز ـ ولي العهد وزير الداخلية ، عله يجد فيه ما يفيد وما يستحق أن يفكر فيه .